حقوقنا الجنسية والإنجابية: بين النضال والقمع

IMG-20250505-WA0026

كتابة: ملك الصفتي

ظهر مصطلح “الصحة الإنجابية” لأول مرة بوضوح في الخطاب الدولي أثناء التحضير لمؤتمر السكان والتنمية في القاهرة عام 1994. ولم يكن مجرد مصطلح جديد، بل تطورًا لغويًا وفكريًا لمفاهيم سابقة، مثل “تنظيم الأسرة” في السبعينيات، و”منع الحمل” في الستينيات.
ورغم تطور اللغة، ظلت الخدمات المقدمة على أرض الواقع محدودة، تقتصر غالبًا على وسائل منع الحمل، موجهة فقط للنساء المتزوجات، دون أن تشمل مفاهيم أوسع كالرعاية الجسدية، أو الأمان أثناء الحمل، أو حتى الحق في المعرفة.

منذ البداية، قوبل استخدام هذا المصطلح بمقاومة شديدة، خاصة من بعض التيارات الذكورية، التي استخدمت سلاحَي الخصوصية الثقافية والدين لقمعه. وبدلًا من الانفتاح على النقاش حول أجساد النساء وحقوقهن، عُدّ هذا الخطاب تهديدًا “للهوية الثقافية”، واعتُبر “أجندة غربية” تسعى لإفساد “المجتمع”. وهكذا، اصبحت مفاهيم مثل الحق في الإجهاض الآمن، أو مناهضة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، مواضيع “محرّمة”، تُوصم بالتغريب أو بالخروج عن الأعراف.

ما المقصود بالحقوق الجسدية والإنجابية؟

الحقوق الجسدية والإنجابية هي ببساطة حق الإنسان – كل إنسان – في أن يمتلك قراره بشأن جسده. أن يعرف، ويختار، ويرفض. أن يحظى بالرعاية الطبية دون تمييز، وأن يُعامل باحترام، سواء كان طفلًا أو بالغًا، امرأة أو رجلًا، متزوجًا أو غير متزوج.
فالحق في الصحة الجسدية والإنجابية لا يقتصر على فئة عمرية أو حالة اجتماعية، بل هو حق إنساني أصيل، لا ينبغي ربطه بالخجل أو العيب.

ماذا لو عرفت النساء في مصر حقوقهن فعلًا؟

ماذا لو نشأت كل فتاة وهي تدرك أن لها جسدًا يستحق الحماية، والتقدير، والاختيار؟ ماذا لو لم تُحجب عنها المعلومات الصحية؟ ماذا لو لم تكن الأسئلة عن الحيض، أو الألم، أو الرغبة، محاطة بالصمت والتجريم؟

ربما كانت الكثير من الانتهاكات تُمنع قبل حدوثها. وربما أُعيد النظر فيما يُعد “مسموحًا ثقافيًا”، لأن النساء بدأن ينظرن إلى أنفسهن كصاحبات حق، لا كمجرد متلقّيات للأوامر أو القيود.

ما لا يُؤخذ بالنضال يُؤخذ بمزيد من النضال

رغم كل أشكال القمع والتجريم والتشويه، ما زالت النساء في مصر يقاومن. وكما مهّدت الدكتورة نوال السعداوي الطريق، حين حاربت لعقود من أجل الاعتراف بأن ختان الإناث جريمة، وتم تجريمه بالفعل، فإن النضال لا يتوقف.
نوال لم تخف من قول الحقيقة، ولم تصمت أمام القهر، وكانت تؤمن بأن الجسد ليس عورة، بل ساحة نضال.

وليس في أيدينا إلا أن نُكمل نحن هذا الطريق، من أجل أن يكن لكل امرأة الحق في القرار والمعرفة، والأمان، في الرعاية، وفي الاحترام الكامل لجسدها.
حقوقنا الجنسية والإنجابية ليست رفاهية، بل ضرورة، وحق أصيل من حقوق النساء.