الطلاق الغيابي في مصر.. حين يصبح القانون خصمًا للمرأة

BarAman WS

الأيام اللي فاتت انتشرت أخبار خناقة أبناء الفنان الراحل محمود عبدالعزيز وبوسي شلبي، أرملته (بيدّعوا إنها طليقته). الخناقة شغلت السوشيال ميديا لارتباطها بفنان محبوب، ولإنها فتحت باب الكلام عن ظلم مرير بتتعرض له ستات كتير في مصر؛ اسمه ببساطة “الطلاق الغيابي”.

يعني إيه طلاق غيابي؟ وإيه سببه؟ وليه بيظلم ستات كتير جدا؟

الطلاق الغيابي هو طلاق بيروح فيه الراجل لمأذون ويطلق زوجته. والمفروض قانونا هنا إن الزوجة يتبعت لها إخطار بالطلاق على يد محضر. المشكلة بتحصل لما الزوج يتفق مع المأذون أو المحضر على عدم إبلاغ الزوجة، مثلا بإنه يديهم عنوان غلط، أو عنوان قديم، فالنتيجة إن الزوجة مش بتعرف إنها اتطلقت.

وده بيحصل إما بهدف حرمان الزوجة من الميراث لما تكتشف إنها مطلقة غيابيًا بعد وفاته، أو بهدف حرمانها من حقوقها بعد الطلاق زي مؤخر الصداق ونفقة المتعة والتمكين من المسكن لو فيه أطفال. في حالات تانية الزوج بيتصالح مع زوجته فمايقولش إنه طلقها عشان ماتطلبش مهر مع عقد الزواج الجديد.

التقارير الإعلامية بتقول إن بوسي شلبي اكتشفت إن وضعها الاجتماعي مطلقة مش أرملة لما جددت بطاقتها، لكن أيا كان السبب، بوسي رفعت قضية لإثبات رجعتها لزوجها الراحل، اللي فضلت عايشة معاه كزوجة لحد وفاته، لكنها اكتشفت إنه طلقها غيابي في أغسطس 1998، وبحسب كلامها حصل خلاف بينهم وسابت بيت الزوجية لكن اتصالحوا ورجعوا، وبحسب تصريحاتها، قالها إن الطلاق مش حقيقي.

الصحفي محمود الرفاعي نشر على حسابه على الفيسبوك لقاءين سنة 1999 مع الفنان الراحل، الأول مع مجلة نادين وأكد فيها طلاقهم ورجوعهم، والتاني تغطية مجلة الموعد لحفل حضرته بوسي ومحمود وكريم الابن، اللي بينكر الزواج دلوقتي. ضمن صور المجلة مانشيت لبوسي بتقول للفنان الراحل: “ما أحلى الرجوع إليك”. وفي حوار مع موقع دنيا الوطن، سنة 2005، اتسأل عن طلاقه منها، فاعترف بيه وأقر برجوعهم بعد ما اتكلموا وحطوا النقط على الحروف. وبكده مؤكد إن بوسي عرفت بوجود طلاق، ومش مفهوم ليه لم تصر على توثيق الرجعة الزوجية بعقد رسمي.

من مفارقات خناقة بوسي إن معاها حشد كبير من الأدلة، زي فيديو موجود على اليوتيوب للقائها مع الفنان الراحل، بتقوله فيه زوجي العزيز من غير ما هو يعترض، وشهادات كتير من الوسط الفني، وعدد وافر من صورهم مع بعض، ووثائق شخصية اسمه ظاهر فيها كزوج، زي فيزا للعمرة، وبطاقتها الشخصية.. وبرضو المحكمة رفضت إثبات الرجعة الزوجية!

الخناقة دي سلطت الضوء على معاناة ستات كتير مع الطلاق الغيابي، مع فرق مهم، إنهم بيكتشفوا وقوع الطلاق بعد وفاة الزوج.

بحسب تحقيق لموقع إرم نيوز، عدد من المأذونين أقروا بإنهم ماعرفوش يبلغوا أكتر من 100 ست بإنها اتطلقت خلال العشر سنين اللي فاتوا، وبحساب عدد المأذونين الإجمالي (4638) توقع التحقيق إن العدد التقريبي 46 ألف ست في السنة، (أو 460 ألف في العشر سنين اللي فاتوا) ميعرفوش إنهم اتطلقوا!

إصلاح صبري، مثلا، حكت إن بنتها اتصدمت وهي بتعمل إعلان الوراثة لما اكتشفت إن أبوها كان مطلق أمها من 28 سنة (بدون ما تعرف)، وهي حامل فيها، وفضل معاشرها وخلفت منه بنت تانية بعد سبع سنين من الطلاق الغيابي! وبكده خسرت حقوقها في الميراث بالإضافة إلى معاشه. يعني كانت “شريكة حياته” واستفاد من خدماتها الرعائية والعاطفية والجنسية، وبسهولة استحل لنفسه خداعها.

ست تانية اسمها عبير سالم اكتشفت وهي بتجدد بطاقتها إنها متطلقة غيابي، ولما واجهت زوجها قالها إنه عمل كده بناء على نصيحة محاميه اللي حذره من مطالبتها بحقوقها الشرعية زي المؤخر والنفقة وغيرهم.

حكاية كمان خيالية، بطلتها شابة من الصعيد اكتشفت إنها متطلقة غيابي من ابن عمها اللي اتخطبت له وهي طفلة، فواجهت أعمامها وقالولها إنه هايوثق زواجه منها تاني، (كإن ده يحل المشكلة) فرفضت وصممت عالطلاق، فاتفقوا إنه يعوضها بفدان أرض ويطلقها شفوي بس وتتنازل عن القضية عشان “سمعة” العائلة!

بحسب حقوقيين ومحامين، المشكلة هنا في قوانين الدولة، اللي مش بتعترف بالرجعة الزوجية إلا بعقد جديد متوثق، مهما كانت أدلة الرجعة واضحة، زي الستات اللي خلفت من أزواجهن. حقيقي مش مفهوم إزاي ممكن حد يفسر النصوص الدينية بما يبرر ظلم وغدر زي ده؟ اتنين اتجوزوا بعلمهم ورضاهم، وممكن أي طرف منهم ينفصل بدون موافقة الطرف الآخر، إنما بديهي لازم الطرف الآخر “يعرف” إن الطلاق حصل، عشان ياخد حقوقه. مش دي فكرة بديهية؟

هيئة كبار علماء الأزهر ليها تصريح غريب بشأن الطلاق الغيابي، ففي بيانها (اللي كان عن الطلاق الشفوي بالأساس لكنه مرتبط بالغيابي) بتقول الهيئة نقطتين:

“أولاً: وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه… دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق”. وقصدي هنا على الجملة الأخيرة اللي هي دون اشتراط شهود أو توثيق، لأنها مبرر للطلاق الغيابي. لكن الهيئة بتقول بعدها مباشرة:

“ثانيًا: على المطلق أن يبادر في توثيق هذا الطلاق فَور وقوعه؛ حفاظا على حقوق المطلقة وأبنائها، ومن حق ولي الأمر شرعًا أن يتخذ ما يلزم من إجراءات.. لتوقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن التوثيق..”.

لكن اللي فهمناه منه إنه آه الطلاق يقع حتى لو في السر (بدون إشهاد أو توثيق)، لكن الراجل يأثم لو لم يبادر بتوثيق الطلاق. الهيئة بتقول إن ده كان بيحصل في عهد النبوة، لكن الحقيقة إن المجتمع كان وقتها بسيط جدا، ومعظم الناس بيعيشوا ويموتوا في نطاق منطقة وعائلات تتبع قبائلها الأكبر، وكلهم عارفين بعض، وماكانش فيه مأذون أو محضر (زي دلوقتي) عشان الزوج يتواطأ معاه ويطلق مراته من غير ما الناس تعرف. وبغض النظر عن التحليلات دي، أكيد مفيش إنسان سوي وعاقل هايقتنع إن الدين يُجيز إن راجل يعيش مع ست وياخد كل الحقوق الجنسية والإنجابية والرعائية، وهو مخبي عليها إنه مطلقها، عشان مستخسر فيها نصيبها من الميراث أو المؤخر أو النفقة وخلافهم.

أما الشيخ محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، فله فتوى عبثية جدا: “رد الزوجة من الطلاق، أثناء العدة لا يشترط فيه موافقة الزوجة”. الحقيقة التوجه ده في فهم الدين مخيف فعلا، يعني الزوج يطلق برغبته بس لو هايرجع زوجته في وقت العدة مش مهم موافقتها، رغم إنه هو اللي قرر يطلق! هو ده مش نوع من الاستعباد؟

الأغرب كمان إن دار الإفتاء ليها فتوى قديمة منصفة جدا في حالة الطلاق الغيابي، بتحل المشكلة دي حل ذكي: اعتبار الآثار المالية للزواج قائمة لصالح الزوجة إذا طلقها زوجها دون علمها. ففي سؤال منشور على موقع دار الإفتاء، بيقول إن الزوج أخفى طلاقه عن إحدى زوجتيه، واكتشفت ده لما استخرجت إعلام الوراثة، أجابت الدار بوجوب حصول الزوجة على نصيبها من الميراث للسبب ده. طيب من حقنا نسأل: لما الفتوى دي موجودة ليه القانون المصري مش بياخد بيها، وينصف الست المطلقة بدون علمها؟

سؤال إجابته الوحيدة إن البرلمان المصري يعيد النظر في مشاريع القوانين اللي المؤسسات النسوية قدمتها من سنين لحل الإشكاليات دي، زي قانون أكثر عدالة للأسرة والقانون الموحد لمناهضة العنف ضد المرأة، وإن البرلمان يناقشهم ويقرهم.

كتابة مشتركة: عمر حاذق – ميار مكي.

المصادر:

حيثيات رفض دعوى بوسي شلبي:

https://www.vetogate.com/5405911

فيديو ووثائق تثبت الرجعة الزوجية:

https://www.algomhor.com/235025

البطاقة الشخصية لبوسي شلبي:

https://www.akhbar-sharq.com/news/34216

بوست الصحفي محمود الرفاعي:

https://www.facebook.com/mahmoud.elrefaei/posts/10165248248329829

حوار الفنان الراحل مع دنيا الوطن:

https://www.alwatanvoice.com/…/news/2005/01/22/16103.html

تحقيق موقع إرم:

https://www.eremnews.com/investigative-journalism/4jbadkjsmq

بيان هيئة كبار العلماء

https://www.alarabiya.net/…/%D9%87%D9%8A%D8%A6%D8%A9…

فتوى الشيخ محمد عبد السميع أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية

https://www.elbalad.news/5139092

فتوى دار الإفتاء عن ضمان حقوق الزوجة من الميراث إذا طُلقت بدون علمها

https://www.dar-alifta.org/…/%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1…