كتابة:عمر حاذق
تصميم:شروق علي
من شروع في قتل ل “حق تأديب”
قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة
في ديسمبر 2022 نشر المركز الإعلامي للمحامي م.ع بوست بيبدأ بحمد ربنا وشكره على إنجاز مهم؛ إنه أخد إخلاء سبيل لراجل متهم بالشروع في قتل زوجته. والحقيقة إن البوست كاشف تماما عن رؤية المحامي وهيئة المحكمة لمجموعة مفاهيم زي العدالة، حقوق الإنسان، استغلال المواقف، التصالح، لم شمل الأسرة… وغيرها.
طيب إيه القضية؟ وليه مهم نقف عندها؟
المركز الإعلامي نشر أمر إحالة الزوج للمحاكمة الجنائية وفيه توصيف واضح لجريمته: “شرع في قتل المجني عليها… عمدا مع سبق الإصرار بأن بيت النية وعقد العزم على إزهاق روحها وأعد لذلك سلاح أبيض (سكين)، وما إن أوت إلى فراشها حتى انهال عليها بالطعنات بأنحاء متفرقة بالجسم، استقرت بالعنق والبطن واليد، فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعى قاصدا قتلها، إلا أنه قد أوقف أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته فيه، وهو ضبطه بمعرفة الأهالي والجيران”.
الحقيقة لحد هنا تصرف النيابة منطقي، دي جريمة شروع في قتل، غادرة، وحشية، فطبيعي إن النيابة تحيله للمحاكمة على جناية الشروع في قتل عمد مع سبق الإصرار، بالإضافة لجنحة إحراز سلاح أبيض (السكينة) بدون مسوغ قانوني. أما موقف المحكمة وقضاتها فكان شديد الغرابة.
أول مظاهر الغرابة دي إن المحامي طلب من المحكمة مهلة لعرض الصلح، حفاظا على الترابط الأسري… وعدم انهيار بيت الزوجية، خاصة إن بينهم طفلين… والغريب إن المحكمة وافقت على التأجيل للصلح، مع إنه وفقا للقانون المصري، الصلح مش بيلغي الشق الجنائي في الجنايات اللي فيها ظرف مشدد زي دي، وطبعا لازم نقف نفكر إزاي المحامي والقضاة اقتنعوا بإمكانية الصلح مع راجل استنى مراته تنام وحاول يقتلها بسكينة، لولا إن الجيران خلصوها منه، ازاي شايفين ان الصلح هنا هايحافظ على “الترابط الأسري وعدم انهيار بيت الزوجية”؟ ازاي شافوا طعن زوجة نايمة على إنه نوع من الخلاف أو سوء التفاهم؟ محدش خد باله إن الترابط الأسري هنا مجرد نكتة؟ وهل ينفع اعتبار بيتهم “بيت زوجية”؟
المركز الإعلامي للمحامي صرح:
ولكن رفضوا الصلح وأرادوا الإنتقام
مستغلين إعتراف المتهم بالواقعة وإقراره بها
وبالسكين المستخدمة والتقارير الطبية
ولكن بفضل الله جل فى علاه
::::::وفق الله المستشار الكبير ::::::::
الذى حضر مدافعاً عن المتهم // س.ع.م.س
وعدل القيد والوصف من شروع فى قتل مع سبق الإصرار
إلى جنحة ضرب بسيط
ثم نزل بها إلى حق التأديب
ثم نزل بها إلى أسباب الإباحة
ثم نزل بها إلى موانع العقاب
واختتم مرافعته الجبارة بقول المولى عز وجل: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ….”
الحقيقة إنينا تعمدنا نقل البوست بتنويعاته “الموسيقية” زي ما عزفها المركز الإعلامي للمحامي. مع ذلك عندنا حقايق بسيطة بتكشف عن رؤية المحامي والمحكمة: الراجل هاجم مراته ومعترف باستخدام السكينة والتقارير الطبية واضحة بحسب البوست، لكن المحامي شاف إن الزوجة وأهلها “استغلوا” ده! محتاجين نفكر في معاني الكلمات البسيطة زي “استغلال”، “أسرة”، “زوجة”، وبالتالي كلمات زي “عدالة”، “حقوق إنسان”، يمكن كمان محتاجين نعيد تعريف كلمة “حق”، “باطل”، “جريمة”…
الأكثر غرابة من موقف المحامي هو قضاة المحكمة؛ فبحسب المنشور، المحامي أقنع القضاة بالنزول بالتهمة من شروع في قتل، إلى عمل مباح، باعتبار إن تأديب الزوجة حق مباح للزوج فيمتنع عقابه عليه. إزاي القضاة أقروا الكلام ده؟ صورة المحامي مع موكله المجرم تأكيد على إخلاء سبيل المجرم ونتمنى مايكونش فكر يقاضي زوجته بتهمة تشويه سمعته ورمي بلاها عليه مثلا، لإن ده بحسب “لغته” القانونية تنفع تهمة!
ولإن البوست غرضه إعلامي، مش موضح كل التفاصيل اللي نقدر نتوقعها، بسهولة، من البوست، زي إن المحامي استخدم مادة بشعة في القانون المصري، هي المادة 60 اللي بتقول: “لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة”، وده بالزبط اللي طرحه المحامي لتبرئة المتهم: إن تأديب الزوجة حق مباح يمتنع العقاب عليه.
في اعتقادنا، المادة دي بتُستَخدم فقط لتسليك مجرمين من العقاب. هاتلاقوا ده بيتكرر كتير في قضايا من النوع ده، وهاتلاقوا أمثلة في التعليقات. وطبعا غني عن الذكر إن المادة دي كارثية، لإنها بتلغي مبدأ القانون وعمله، يعني الاعتداء على زوجة بسكينة أو ضربها بطفاية حريق على دماغها… كل دي جرايم توصيفاتها واضحة، مش منطقي ولا عادل إن مجرم يفلت من العقاب بذريعة زي “النية السليمة”، ومش منطقي توسيع مفهوم (زي تأديب الزوجة) أو مطّه ليشمل معتدين قتلوا أو اعتدوا على زوجاتهم أو بناتهم، فيفلتوا من العقاب.
أحيان كتير الناس بتشوف النصوص الدينية بشكل مقطوع الصلة بواقعهم من ناحية، ومقطوع الصلة بجملة المفاهيم البديهية، الأوّليّة عند البشر، يعني مثلا العدل والإنصاف والرحمة قيم إنسانية أوّلية، فإزاي حد مؤمن بيهم يبقى شايف إن ممكن نستخدم مفهوم ديني لتبرئة راجل قتل مراته أو حاول يغدر بيها وهي نايمة؟ هل ده ممكن يرضي ربنا فعلا؟
قتل إنسان أو ضربه أو إصابته كلها جرايم ليها توصيفات وتقارير طبية تحط لها حدود، ومعنى دولة القانون إن الناس تتساوى أمام نصوص القانون، وتبقى الحدود واضحة بحيث مايجيش قاضي بيحتقر النساء، فيحكم حكم مخفف جدا أو يحفظ القضية من بابها لإن المعتدي كان زوج أو أب. عشان كده القانون الموحد لمناهضة العنف ضد المرأة مهم ومطلوب، ورغم إن مؤسسات ومبادرات نسوية مختلفة اشتغلت عليه وقدمته للبرلمان من سنين، لكن البرلمان متجاهله خالص. هاتلاقوا في التعليقات تدوينات بتحلل قضايا كارثية تانية من النوع ده.
طبعا من بنود القانون إلغاء المادة 60، اللي بنشوف بسببها أحكام كارثية، زي إخلاء سبيل الزوج في واقعة زي دي !