كتابة: شيماء محمود
“متجريش في الشارع” قالت لي أمي هذه الكلمات في بداية مراهقتي، بادرت بالسؤال لماذا؟ أنا أحب الركض! قالت بنبرة غضب: “جسمك بيتهز”. كنت في تلك الفترة أنضج جسدياً من صديقاتي.
ما المشكلة في جسدي الذي يهتز؟ هل أنا المرأة الوحيدة التي لديها أعضاء أنثوية؟ هل أنا المرأة الوحيدة التي لديها ثديان يهتزان عند الركض؟ لماذا عليَّ إخفاء ثدييّ؟ لماذا على النساء إخفاء أجسادهن؟ وكيف لطفلة في الثانية عشرة من عمرها أن تجيب عن كل هذه الأسئلة، التي لم تصرح بها إلى الآن ودارت ودارت في خلدها؟
لم أطع الأمر بالطبع في البداية؛ فأنا أشعر بالسعادة عندما أركض، مع الأيام ومع تكرار أمي لهذه الكلمات وربما مع أشياء أخرى حدثت.. أذعنت للأمر؛ ربما بسبب نظرات الناس.
منذ فترة ليست ببعيدة تساءلت ماذا كان سيحدث لو لم أتوقف عن الركض؟ هل كان غضبي الذي حملته معي من الابتدائية إلى يومي هذا (لأسباب عديدة) سيخف بعض الشيء؟ شاركت خاطرتي مع أختي ولم تجد أي منا إجابة. بالطبع لم أكن لأصبح عدّاءة أوليميبية أو شيئاً من هذا القبيل، لكن الأكيد أنني كنت سأظل أمارس شيئا أحبه، وسيخفف هذا من وطأة الكثير من الأحداث، والأكيد أيضاً أنني كنت سأُخرج الكثير والكثير من الطاقة.
في ذلك الوقت عندما كنت أركض، شعرت بالكثير من الخفة على الرغم مما يبدو من ثقل جسدي، لم أكن واعية بماهية شعوري وقتها، كنت فقط أشعر بالسعادة. في الجامعة أدركت الأمر “أوه كنت أشعر بالخفة إذن”. الآن لا أركض. وعندما أجرب، أركض لمتر على الأكثر وأظل ألهث ربع الساعة بعدها، صار الركض ثقيلاً، وجسدي أثقل وأثقل.
الكثير من العار يحيط بي وبجسدي. لست وحدي، العديد من النساء كذلك، نرث العار ونحمله على أكتافنا ونسير في طُرق الحياة، تُرى متى سنتخلص من هذا العار؟!
لم أُشارك أمي أسئلتي هذه، حتى بعدما كبرت. ولم أذكر أمر الركض نهائياً، لكن لا بأس فأنا حقاً لا أحملها أي ذنب الآن.. صرت أفهم جيداً العبء الملقى على النساء. لكن، أكتب إليكن الآن وأنا أمشي، صرت أُفضّل المشي، أمشي وأمشي في الطبيعة إلى حد التعب، ثم أجلس على التراب وأتمتع بمنظر السماء البديع، في الحقيقة لن أتوقف عن المشي إلى أن تهرم ساقاي.
في المشي ينزاح الكثير عن كاهلي، تتساقط الهموم من على كتفيّ في كل خطوة، بعبارة أخرى وجد جسدي طريقه ليصبح أخف، ولو لوقت قصير للغاية.
في المشي ليس هناك هدف، لا يوجد خط نهاية. خط النهاية يكون حيث أجد نقطة جيدة أرى فيها السماء والمروج الخضراء سوياً.
في المشي يختفي كل الناس من حولي. لا يوجد سوى جسدي والطبيعة والموسيقى خلفية لهما، مرة أغانٍ رومانسية، وأخرى حزينة، أو راب، تبعاً لمزاجي اليوم، والأكيد هو وجود كايروكي دائماً.
في المشي لا يختفي الغضب، لكنه يتوارى قليلاً وأكاد أنساه، خاصة إذا كان الجو مشمساً والغيوم البيضاء تزين السماء، والرياح تمزج كل هذا في قصيدة شعرية تُنسيني الغضب، ولو لساعتين من المشي فحسب.
صحيح أنني لا أستطيع الركض لأكثر من متر، لكنني أمشي على الأقل مرتين أسبوعياً فيما لا يقل عن خمسة كيلو مترات في كل مرة، بين الطبيعة الخضراء.
يتداخل المشي مع الطبيعة في ثنائية بديعة، تنتبه معظم حواسي، أنا هنا والآن، أفرد ذراعيّ كأنهما جناحان، كأني سأبدأ في التحليق، وستحملني الرياح لأتوسد الغيوم قليلاً، وأنام على بطني وأشاهد الطبيعة بعينٍ يملؤها الانبهار، وبعقل يبغي الراحة، وقلب يشعر بالخفة.