بين الدراما ودراما الواقع.. صراع المواجهة والصمت

Between drama BarAman WS Articles

مقدمة

في مجتمع لسه الفكر الذكوري مسيطر عليه، الانتهاكات ضد الستات والأطفال مستمرة، وبتستخبى ورا السكوت وتجاهل المؤسسات.

المشكلة عمرها ما كانت تصرفات فردية ولا في سن وأوصاف معينة للمتحرش أو المغتصب بتحدد جرايمه، وأكيد مش في شكل، أو لبس، أو سن، وجنس الضحية، لكن في منظومة اجتماعية بتبرر وبتسكت على الجريمة، وبتلوم الضحايا، وفي مؤسسات بتتواطأ وبتحمي المجرمين، وللأسف المرة دي المؤسسات هي المدارس، اللي دورها الأساسي تقديم الرعاية والتوعية للأطفال.

 في الشهور الأخيرة، انكشفت أكتر من جريمة تحرش واغتصاب جوه مؤسسات تعليمية، وده حصل بالتزامن مع الوقت اللي الدراما التلفزيونية بدأت تناقش فيه قضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال، بس الواقع لسه بيكشف لنا حقايق أبشع بكتير، وطريق طويل في تحقيق عدالة منصفة.

في المقال، بنستعرض جزء بسيط من سيناريوهات واقعية ومتكررة لجرائم عنف جنسي اتعرض لها أطفال في المدارس، وبنسلط الضوء على تجاهل العدالة لحق الأطفال وضمان حماية مستترة للمجرمين.

واحدة من القضايا اللي شغلت الرأي العام الفترة اللي فاتت كانت قضية الطفل “ي”، واللي اتعرض للاغتصاب من أحد الموظفين في مدرسته، القضية انتشرت بشدة على السوشيال ميديا وشفنا تفاعل المجتمع معاها ما بين التضامن والتكذيب، والكل كان منتظر رأي القضاء فيها، ورغم أن في 30 أبريل 2025، اتحكم على المتهم في القضية بالسجن المؤبد، لكن القضية دي فتحت قدامنا تساؤلات كتير، ما بين تشابهها مع وقائع تانية، وما بين التغاضي والسكوت المُشارِك، مرورًا بتأخر الإجراءات القانونية في بعض الحالات، ووصولًا لغياب المسؤولية الإدارية والأخلاقية والخلل المؤسسي، وكأن في تواطؤ ممنهج ضد الأطفال.

بداية الجريمة كانت في مدرسة الكرمة الخاصة للغات، في محافظة البحيرة بتاريخ يناير سنة 2024، اللي بيشتغل فيها المغتصب مراقب مالي، وكان بيتردد عليها كل فترة، حسب رواية الطفل في التحقيقات. الاعتداء حصل بمساعدة إحدى عاملات الرعاية بالمدرسة “الناني”، والاعتداء كان بيتم في حمام المدرسة ومرات تانية في مبنى جراج تابع جوا عربية قديمة.

إزاي تم اكتشاف الجريمة؟

اللي اكتشفت الجريمة هي الأم بعد ما لاحظت على ابنها آلام عضوية مستمرة لما بيدخل الحمام، فقررت تعرضه على طبيبين أكدوا حدوث اعتداء، بعدها حكى الطفل لأمه كل اللي حصل له في المدرسة، وقررت مع والده تقديم بلاغ رسمي للنيابة عشان يجيبوا حق ابنهم بالقانون واستمرت التحقيقات، اللي تقرير الطب الشرعي أثبت فيها حدوث اعتداء متكرر على الطفل سبب اتساع في فتحة الشرج، وده حسب مداخلة إعلامية لمحامي الأسرة مع قناة الحدث [1]؛ وفي مداخلة إعلامية تانية للأم على قناة mbc مصر[2]، قالت إنها عرفت بالواقعة من ابنها بتاريخ 14 يناير 2024، وكانت في حالة صدمة شديدة، وإن هي والأب رفضوا السكوت، وكانوا حريصين على استكمال كل الإجراءات الرسمية والخطوات اللي تضمن تحقيق العدالة والدعم النفسي لابنهم، وإن السكوت في الحالة دي كمان معناه احتمالية وقوع ضحايا تانيين.

لكن المؤسف، أنه في القضية دي ظهر محاولات من إدارة مدرسة الطفل بالتستر الكلي على الجريمة من أول يوم.

مشاركة المدرسة في الجريمة من خلال التستر والتواطؤ

محامي الطفل قال في مداخلاته الإعلامية المختلفة على قناة الحدث وقناة الشمس[3]، إن مديرة المدرسة أنكرت في شهادتها وجود الجاني في أيام حضور الطفل للمدرسة وإن حضوره كان يومين من كل أسبوع لمتابعة عمله، وعادة ما بيكون الطفل غايب فيهم، ولكن الأدلة في التحقيقات أثبتت من خلال متابعة تقارير الحضور والغياب للطفل، حضوره 17 يوم خلال 3 شهور من تردد الجاني على المدرسة، وإن تقرير الطب الشرعي الأخير فيها أكّد وقوع الاعتداء الجنسي على الطفل، وخلال الفترة من تقديم أسرة الطفل للبلاغ وحتى الحكم، تم حفظ التحقيقات مرتين في السابق خلال سنة كاملة بقرار من النيابة العامة لعدم كفاية الأدلة، آخرهم في فبراير الماضي، وإنه بعد الحفظ الأول تم عمل تظلم وتقديمه للنائب العام “اللي أعاد فتح التحقيق في القضية من تاني مع استيفاء أوراقها، بإجراء مواجهة بين الطفل المجني عليه والمتهم”.

 النيابة أجرت المواجهة في غرفة التحقيق مع الطفل بحضور محامي من فريق الدفاع، من غير وجود الأم عشان ميبقاش في شبه تأثير أو توجيه عليه، وفي خلال أول مواجهتين، اتعرف الطفل على المتهم من الوهلة الأولى من بين مجموعة أفراد أحضرتهم النيابة بيتشابهوا معاه في الطول والشكل والصفات الجسدية. لكنه في المرة التالتة والرابعة مقدرش يتعرف عليه بسهولة بسبب “التبديل”، وده بيحصل من خلال تغيير في مظهر الجاني الخارجي عن طريق ملابسه، فتم حفظ القضية للمرة التانية من النيابة العامة.

وقتها، المحامي لجأ للمادة 167 من قانون الإجراءات الجنائية المصرية، اللي بتدي الحق للمجني عليه في حالة الادعاء المدني خلال التحقيقات بالطعن على قرار النيابة العامة بالحفظ أمام محكمة الجنايات، وتم مثول المحامي والأسرة بهيئة استئناف دمنهور، في 2 مارس 2025، واللي قضت فيها محكمة الجنايات في نفس اليوم بإلغاء قرار النيابة العامة وإحالة المتهم لمحكمة الجنايات لمحاكمته عن الفعل. وأن المحكمة في الحالة دي بيكون لها مُطلق الإمكانيات والصلاحيات لإعادة التحقيق، وسماع الشهود، وإجراء المواجهات في القضية طبقًا لأحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات. وتم تحديد جلسة 30 أبريل 2025، اللي اتقبض فيها على الجاني، ودخل قفص الاتهام واتحكم عليه واترحل لقضاء العقوبة.

تواطؤ إدارة المدرسة في الحالة دي ومحاولتها التستر وحماية الجاني لآخر لحظة، يفتح قدامنا تساؤلات عن حقيقة تطبيق إجراءات ولوائح المخالفات الأخلاقية داخل المنظومة التعليمية، خصوصًا بعد الانتشار الواسع للقضية وتصريحات وزارة التربية والتعليم بخصوصها.

قرار وزارة التربية والتعليم

في نفس يوم الحكم، نشرت وزارة التربية والتعليم على صفحتها الرسمية على فيسبوك[4]، بوست عن تنسيق الوزارة مع محافظة البحيرة بعد حكم المحكمة، بالتوجيه لانعقاد لجنة التعليم الخاص بالوزارة ومديرية التربية والتعليم بالبحيرة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإقالة مديرة مدرسة الكرمة للغات الخاصة بدمنهور، وتشكيل لجنة لمراجعة كافة أعمال المدرسة وعرض تقرير عاجل بخصوص الموضوع، وفي بوست تاني بتاريخ 28 أبريل 2025 نشرت صفحة الوزارة بيان :”بتهيب فيه بمرتادي مواقع التواصل الاجتماعي وكافة وسائل الإعلام تحري الدقة فيما يتم نشره حول الواقعة، وأن مديرية التربية والتعليم بمحافظة البحيرة ستتخذ مع الممثل القانوني والجهة المالكة للمدرسة كافة الإجراءات القانونية في الواقعة فور صدور حكم نهائي في القضية[5].

طيب ليه وإزاي الوزارة مفتحتش التحقيق ده من سنة وقت وقوع الجريمة؟ وليه ماخدتش أي إجراء بإيقاف المتورطين من الإدارة أو المجرم نفسه عن العمل لحين صدور قرار التحقيقات والمحكمة؟، خصوصًا إن والدة الطفل أكدت في مداخلتها بعد صدور الحكم، أنها تواصلت في نفس السنة مع الوزارة وأنهم كانوا مهتمين ومتعاطفين مع الطفل ووعدوها بأخذ حقه!

صحيح إن القضية بعد أكتر من سنة تم الحكم فيها، لكن ده يخلينا نعرف ليه الحكم صدر بالمؤبد و”بهتك العرض” مش “الاغتصاب الشرجي”؟

الحكم وحيثياته

بتاريخ 30 أبريل 2025، تم الحكم على المتهم “صبري ك.”، 79 سنة، بالسجن المؤبد [6]في القضية رقم 33773 لسنة 2024 جنايات مركز دمنهور[7]، بعد إدانته بهتك عرض الطفل المعروف إعلاميًا باسم “ي”، 6 سنوات، القضية استجابت المحكمة فيها لطلبات الدفاع عن الطفل بتعديل القيد والوصف، وتغيير قرار الإحالة من “الاعتداء على الطفل بغير قوة” إلى “الاعتداء بالقوة والتهديد”؛ الحقيقة إن القانون المصري مش بيتضمن عقوبات لجريمة صريحة اسمها “الاغتصاب”، لكن بيستخدم مصطلحات زي “المواقعة بغير الرضا” في حالات اغتصاب الستات، ومصطلحات زي “هتك العرض” في حالة لو كان الاعتداء الجنسي – الاغتصاب – تم باستخدام الأيدي أو أدوات وآلات، كذلك نفس المصطلح بيُستخدم بالنسبة “للاغتصاب الشرجي” للجنسين، وبالتالي المحكمة بتنظر للواقعة في الحالة دي “حسب القصد الجنائي للمتهم” على أنها “هتك عرض”، وبحسب القانون، وتحديدًا المواد 267 و268 و269 من قانون العقوبات[8]، الاعتداء على القُصًر من الجنسين تحت سن 12 سنة، عقوبته السجن المشدد مدة لا تقل عن 7 سنوات، وفي حالة لو حصل الاعتداء بالقوة أو التهديد أو من شخص في موقف قوة أو رعاية لأمور المجني عليهم -زي المدرس- يكون الحكم بالإعدام أو المؤبد.[9]

وبالتالي نلاحظ أن في فجوة بين المسميات في القانون وبين الجريمة الفعلية، وإزاي لسه هتك العرض مش متشاف كاغتصاب، رغم أنه في الآخر كلهم عنف جنسي بيترك نفس الأثر، وبيواجهوا فيه الضحايا والناجين/الناجيات باختلاف شكل الاعتداء والعمر والنوع، جريمة واحدة وضرر وألم نفسي وجسدي واحد، وطبعًا وصم ولوم اجتماعي بيتحملوه لوحدهم!

في الواقعة دي، الأهل أصروا يكملوا القضية للآخر ويقدموا كل الدعم اللي يقدروا عليه للطفل بشكل واضح جدًا، خصوصًا وقت حضور الطفل للمحكمة في جلسة الحكم لابس زي البطل الخارق “سبايدرمان”، وده كان مشهد مؤثر، بيوضح ازاي والدته بتحاول تحميه نفسيًا وتحافظ على خصوصيته وتأهله إنه رايح يواجه الأشرار، وده اللي أكدت عليه الأم في المداخلة وقالت إنه لما لبسه تقمص الشخصية وقالها “أنا سبايدرمان، ورايح أجيب حقي”؛ القضية أخدت تفاعل وتضامن كبير جدًا من الناس خاصة على السوشيال ميديا، وطالبوا بمحاكمة إدارة المدرسة كمان، باعتبارهم مشاركين في الجريمة.

تستُّر تاني… وجزاء إداري بدل العدالة

للأسف، جريمة الطفل “ي” مكانتش الأولى، لكنها واحدة من جرائم كتير؛ بعضها اتعرف، والأهالي لجأوا للقانون والمجرمين اتحاكموا جنائيًا ونالوا جزاءهم بالسجن لكن لسه في جرائم تانية بتتدارى في الضل[10].

في نوفمبر 2024، بنشوف مثال تاني لمدير مدرسة متواطئ بالتستر على “عامل” اعتدى جنسيًا على تلميذة بالصف الخامس الابتدائي، في مدرسة بالقاهرة. تحقيقات النيابة الإدارية للتعليم بالقاهرة – القسم الأول، بتفيد إنها تلقت بلاغ من إدارة النزهة التعليمية، بشكوى من أم البنت بالواقعة، وفي بيان منشور على صفحة النيابة الإدارية على فيس بوك[11]، الطفلة رجعت لأمها بعد نهاية اليوم الدراسي منهارة، وحكت لها اللي حصل. تاني يوم الأم راحت على المدرسة عشان تبلغ المدير، لكنها فوجئت بيه بيحبسها في مكتبه عشان يمنعها تروح تشتكي لمدير الإدارة التعليمية، وساعد العامل بتهريبه من المدرسة.

 الطفلة قالت في تحقيقات النيابة المنشورة في البيان، إن العامل تحرش بها جنسيًا مرتين: أول مرة من حوالي 3 شهور من وقت حدوث الواقعة “بجذبها عنوة داخل الحجرة المخصصة له بالمدرسة”، لكنها خافت وقتها تحكي لوالدتها عن الجريمة اللي حصلت لها عشان ما تعاقبهاش، فبلغت مدرسة العربي بتاعتها، اللي بدورها قالت لمسؤول أمن المدرسة، واللي بلغ المدير، فطلب منه استجواب العامل، وده اللي عمله المسؤول بالفعل وسلمه ورق محضر الاستجواب.

الصمت في خدمة المعتدي

 المدير قرر بكل خسة، يخبّي الجريمة ويحتفظ بالورق في مكتبه، وبرر إن دي رغبة أهل التلميذة خوفًا من الفضيحة -رغم إنهم ما كانوش لسه يعرفوا عن الواقعة أي حاجة- والمرة التانية حسب نفس البيان، البنت قالت إنه “استدرجها إلى حجرته وأوهمها بطلب والدتها التحدث معها عبر هاتفه المحمول وتحرش بها جنسيًا ولم يتركها إلا بعد تعالي صراخها خوفًا من افتضاح أمره”؛ النيابة استمعت لشهادة عدد من المختصين في الإدارة التعليمية والمدرسين ومسؤول أمن المدرسة اللي أكدوا صحة الوقائع كلها، واعتبرت المدير “متهم” بالتقاعس عن الإجراءات القانونية ضد الجاني، خصوصًا بعد علمه بالواقعة في أول مرة واعتراف العامل بارتكابها في استجواب مسؤول الأمن، وتعمد إخفاءه الواقعة عن الأهل. وده اللي بالتأكيد خلى العامل يكرر جريمته مرتين لأنه اطمن إن مفيش حد هيعاقبه أو يحاسبه. وللأسف، خلال التحقيقات وصل للنيابة شهادة وفاة العامل، قبل ما ينال جزاءه اللي يستحقه على جريمته؛ فأمرت بانقضاء الدعوى التأديبية ضده بالوفاة، أما المدير، بعد انتهاء كافة التحقيقات معاه، أمرت باستبعاده من إدارة المدارس والمؤسسات التعليمية، وإحالته للمحاكمة التأديبية العاجلة، اللي أصدرت حكمها عليه بمعاقبته “بأقصى درجات الجزاء الإداري” وهو مجرد “خصم أجر ستين يومًا من راتبه”.

ليه في واقعة زي دي بنشوف سكوت بيتكرر من الشهود على الواقعة، وأنهم مهتموش بمتابعة الموضوع أو حتى الإبلاغ عنه لجهة أعلى، لما شافوا موقف المدير المتخاذل، والعامل المجرم لسه بيمارس عمله ومتوقفش أو اتفصل على الأقل من إدارة المدرسة؟ حتى لو كانوا مخدوعين برواية إن الموضوع اتقفل عشان دي رغبة الأهل، إزاي تكون أقصى العقوبات على شخص متواطئ ومتستر على جريمة مجرد تأديب أو خصم مالي من غير إحالة لمحكمة الجنايات لتوقيع جزاء جنائي!

بعد الجريمة دي بشهر واحد بس، ظهرت سلسلة جرائم متعددة، بتاريخ ديسمبر 2024، عامل كانتين اسمه “إبراهيم” عمره 36 سنة، اعتدى جنسيًا على طفلة عمرها 5 سنين في مدرسة خاصة بمنطقة فيصل بالجيزة، بعد ما استدرجها بقطعة حلوى وعلبة عصير، وكعادة أي مجرم ومغتصب هددها عشان متحكيش لأهلها.

 الأم لاحظت على بنتها بعد رجوعها من الحضانة، التعب والإرهاق الشديد، والنوم لفترة طويلة، بعدين اكتشفت بقع دم على هدوم الطفلة، ولما اتكلمت معاها حكت لها البنت اللي اتعرضت له من المجرم.

استمرار السكوت المُشارِك

الأم لما حاولت تتواصل مع إدارة المدرسة عشان يفرغوا كاميرات المراقبة ويشوفوا الواقعة، المدرسة رفضت، وقالوا إنهم مش مسؤولين عن تعيين العامل، وده مش بس كشف قد إيه في خلل في مؤسسة تعليمية تانية، إنما كمان تنصل صريح من مسؤوليتها الرعائية والأخلاقية تجاه طلابها!

وفورًا أهل الطفلة قدموا بلاغ للشرطة ضد المدرسة والعامل، واتهموه بالاعتداء على بنتهم. واتقبض عليه من فريق بحث قسم الشرطة، واعترف بارتكابه الواقعة، واتحرر محضر بتاريخ 22 ديسمبر برقم 67050 جنح قسم شرطة الهرم لسنة 2024. نقلًا عن موقع الدستور الإخباري،[12] وأثناء عرض المتهم على الطفلة، لاحظت جهات التحقيق إنها خافت لما شافته، وهزت راسها وقالت “أيوة هو ده”، وشاورت على “منطقتها الحساسة” لتوضيح اللي عمله معاها.

غياب العدالة.. بين سجل إجرامي مستتر ونهج اعتداءاتٍ متكرر

 باقي التحقيقات كشفت عن سجل إجرامي للمتهم، وإنه عليه أحكام قضائية غيابية بتهم شروع في قتل سنة 2014، اتحكم فيها غيابيًا بالمؤبد، وحكم تاني في نفس السنة بالحبس 3 سنوات في قضية مخدرات، وتم إحالة المتهم للنيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

أما فبراير الماضي، فحصلت واقعتين صادمتين في مدرستين مختلفتين، أول جريمة، مدرس رياضيات اعتدى على طفلة في تالتة ابتدائي جوه الفصل، قفل الباب بالتخته، وهدد باقي التلاميذ بالعقاب لو بصّوا وراهم، وبدأ يلمس مناطق حساسة من جسم الطفلة ويجبرها تلمسه، في جريمة هتك عرض بشعة في حق طفلة قاصر. وفي وقتها دخل عليهم مدرس تاني وشاف المدرس المتحرش ملتصق بجسم الطفلة، ولما شافه المتهم ارتبك وتوتر وفضل واقف مكانه، لكنه سابهم وخرج يكمل حصته عادي من غير ما يتدخل أو ينقذ البنت، وده حسب اللي قاله هو في التحقيقات اللي اتقدم بالشهادة فيها طواعية.

 مدير المدرسة عرف بالقصة حسب رواية النيابة الإدارية [13]من أهل تلميذة تانية زميلة للبنت لما حكت لهم، واستدعى الطفلة في مكتبه ولاحظ عليها إنها مرعوبة وفي حالة انهيار من وجود المدرس المتحرش برا وهو بيحاول يدخل، فمنعه وطلب منه الانصراف، وحسب تصريحات النيابة الإدارية كمان إن أهل الطفلة الضحية قالوا للمدير إن المتحرش هددها إنه هيخطفها لو حكت لحد، ورغم كل ده، النيابة الإدارية قررت وقف المدرس عن العمل وتحويله لمحاكمة تأديبية عاجلة، لكن ما اتحوّلش للنيابة العامة في جريمة بشعة ومؤلمة زي دي عليها شهود من الجميع.

أما الواقعة التانية، فهي بتكشف نهج اعتداءات متكرر، من كبير معلمي مادة رياضيات، في مدرسة لغات بالقاهرة، ارتكب تسع جرائم.. ودول اللي تحقيقات النيابة قدرت تثبتهم، ونشرتهم في بيان رسمي على صفحتها [14]بترتيب التُهم، وهمّا:

  1. تحرشه جنسيًا بتلميذة في خامسة ابتدائي داخل الفصل بعد انتهاء حصته “بلمس مواطن عفتها” وهي واقفة بتشوف جدول الحصص مع زميلتها.
  2. انتهاك خصوصية التلميذة بتصويرها بتليفونه الشخصي وتهديدها بنشر الصور.
  3.  إهانة التلميذة بطريقة غير لائقة أمام باقي تلاميذ الفصل.
  4. تعديه بالضرب على زميلة التلميذة الللي حاولت تدافع عنها وتوقف تحرشه المستمر بيها.
  5. إنشاء مجموعة على أحد تطبيقات الهاتف المحمول لتلاميذ المرحلة الإعدادية نشر فيها صور ذات مدلول جنسي على التلميذة.
  6. اعتياده انتهاك خصوصية طلبة وطالبات من المرحلة الإعدادية بتصويرهم بتليفونه.
  7. دخوله واحد من فصول المرحلة الإعدادية “متعمدًا” فتح سوستة بنطلونه وقربه من الطالبات.
  8. اعتياده الكلام مع طلبة المرحلة الثانوية بطريقة غير لائقة فيها إيحاءات جنسية جوا الفصول.
  9. طلبه من فصل كامل فيه طلبة وطالبات في مرحلة ثانوي “الوقوف بوضعية غير لائقة” عشان يصور أجزاء معينة من جسمهم بتليفونه.

وبرضه، اتوقف عن العمل واتعاقب تأديبيًا بس دون إحالته لمحكمة جنائية على جرايمه المرعبة دي كلها!

اللي بيجمع بين كل الجرائم دي مش بس فظاعتها، لكن كمان تشابه التفاصيل: الجاني ذكر بالغ من جوه المؤسسة التعليمية، الضحية أطفال قصر، والإدارة بتتستر وتتواطأ، والناس اللي بتشوف بتسكت، والثقة اللي المفروض تكون موجودة في المدارس بتتكسر، وبيظهر انعدام أمانة واضح، وتهاون شديد حتى في توقيع عقوبات رادعة.  

أما الأمر العبثي والمثير لأقصى درجات الاستفزاز، فهو إن شخص مجهول يدخل مدرسة في عز النهار ويعتدي على تلميذة في ابتدائي جوه حمام معليهوش أي رقابة من عاملي الرعاية فيها. الجريمة المروعة دي حصلت في 18 أبريل 2025، في مدرسة بالمرج، محافظة القاهرة، الأب حكى القصة في لقاء مصوّر فيديو مع موقع صدى البلد[15]، وقال إن ولية أمر تلميذة تانية هي اللي اتصلت عليه، وقالت له إن بنته تعرضت للاعتداء والتحرش في حمام المدرسة، ولية الأمر شافت المغتصب وهو بيهرب وسمعت استغاثة الطفلة من الحمام، يعني لو ما كانتش موجودة وقتها كانت الجريمة هتفضل مخفية لشهور وسنين ويمكن ما  كانتش هتتعرف خالص، والطفلة كانت هتعيش سنوات طويلة مع الصدمة والشعور بالخوف والوصم زي ضحايا كتير!

الأب بيقول إن المتهم دخل المدرسة من البوابة، كأنه ولي أمر، في الفترة بين خروج التلاميذ من الفترة الصباحية ودخول آخرين للفترة المسائية، وإن الأب، لما وصل المدرسة، لقى بنته وأخواتها بيعيطوا، وحاول يعرف تفاصيل اللي حصل، لكن المدرسين قالوا له يداري على الموضوع عشان “الفضيحة وعشان يعرف يجوز البنت”، الأب أخد بنته وولية الأمر الشاهدة وراح مستشفى اليوم الواحد للطلبة، فقالوا له يروح على مستشفى الدمرداش، رجع تاني  للمدرسة واتصل بالنجدة وصديق له بيشتغل محامي وطلب منهم الحضور، الأم كمان لما وصلت كانت في حالة غضب شديد جدًا، وحاولت تتصرف لحماية بنتها، لكن واحد من المدرسين زعق لهم وقالهم إن “الموضوع مش مسئوليتهم”، بعدها حصل تشابك بين الأم والمدرس، لدرجة إن العاملات -الدادات- بدأوا يتجمّعوا حواليهم وحاولوا يضربوهم بالمقشات.

تعطيل الكاميرات.. عقبة في كشف الهوية وتعقيد عمليات التحقيق

بسبب  إن كاميرات المدرسة مش شغالة، اضطرت المباحث لتفريغ كاميرات أغلب الشوارع المجاورة، وأهل البنت اكتشفوا من التحقيقات إن الحمام اللي حصلت فيه الجريمة مفيش عليه إشراف من العاملين بالمدرسة، المباحث قبضت على المتهم بعد 4 أيام من تتبع صورته من خلال تفريغ الكاميرات الخارجية، وقال الأب إنه طبقا للإثباتات دي تعتبر الجريمة الخامسة للمجرم وإنه مش متأكد إذا كان له ضحايا تانيين جوا المدرسة أو لأ؛ وإن المدرسين طلبوا من بناته وقت الواقعة ميتصلوش بأبوهم أو يحكوا له، وإنهم بيقولوا في المدرسة لأولياء الأمور، إنه بيحاول يفضح بنته عشان ياخد فلوس من الإعلام، لكن الأب أكد إن هو بس عايز يجيب حق بنته وحق كل البنات اللي قبلها،  وإنه لو سكت على الجريمة دي هيتحمل ذنب كل الضحايا المستقبليات، وإنه مش هيقبل أي تنازلات أو ضغط ومساومة على حق بنته، وهيطالب بمحاكمة كل المسؤولين في المدرسة سواء بالتستر أو بالإهمال.

القضايا دي، ترجعنا تاني لنفس النقاط السابقة، حماية المدارس للمجرمين ومشاركتهم في جرائم التواطؤ على الأطفال، سببه إيه ولمصلحة مين؟ خصوصًا إن كل القضايا أحداثها وتفاصيلها متشابهة بشكل فج!

الأطفال دول وأهاليهم مش بس كانوا ضحايا، لكنهم كمان أبطال يستحقوا التقدير والدعم، لأنهم قرروا يواجهوا ويكسروا الصمت، في وقت ناس كتير حواليهم بيختاروا يسكتوا عشان السمعة أو الخوف من الفضيحة أو أسباب غير معلومة. والمؤلم أكتر، إن في ناس بتلوم الطفل أو أهله، أو ما بيصدقوش القصة أصلاً، وكأن حماية الأطفال وحقوقهم حاجة ينفع نختلف عليها!

الاعتداءات الجنسية والعنف ضد الأطفال: بين الإحصائيات العالمية والمحلية

في أكتوبر 2024، نشرت منظمة اليونيسيف تقرير بيكشف عن حجم الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال حول العالم[16]، التقرير أشار إلى أن أكتر من 370 مليون بنت وست تعرضن للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي قبل بلوغهن سن 18(1 من بين كل 8 إناث)، ولما شمل التقرير العنف الجنسي غير التلامسي، زي التحرش اللفظي أو الإلكتروني[17]، الرقم ارتفع ووصل لـ 650 مليون، (1 من بين كل 5 إناث). كما تعرض بين 240 لـ 310 مليون ولد ورجل لنفس نوع الاعتداءات في طفولتهم. ومع إضافة العنف الجنسي غير التلامسي، وصل الرقم بين410 لـ 530 مليون، (تقريبًا 1 من كل 7 ذكور)، وأشار التقرير كمان إلى إن 1 من كل 8 أطفال[18] من الجنسين على مستوى العالم تعرضوا لإساءة نفسية قبل بلوغهم 18 سنة.

 أما في مصر، رغم وجود بعض الإحصائيات والبيانات عن تعرض الأطفال للعنف الجسدي والتحرش، لكن فيه نقص شديد في البيانات الدقيقة والمحدثة حول الاعتداءات الجنسية. آخر دراسة مشتركة بين اليونيسف والمجلس القومي للطفولة والأمومة[19]، صدرت سنة 2015، أظهرت أن حوالي ثلثي الأطفال في مصر تعرضوا للعنف الجسدي في العام السابق للدراسة 2014، و78 % منهم تعرضوا لعنف نفسي. كما أظهرت الدراسة -وقت صدورها- أن 50 % من الآباء و35% من المُعلمين بيعتبروا أن العنف الجسدي مقبول كوسيلة للتأديب.

من جهة تانية، يشير تقرير المجلس القومي للأمومة والطفولة 2024 [20]إلى أنه تم تلقي 94,178  مكالمة عبر الخط الساخن 16000 خلال 3 أشهر فقط، وتطلبت 87% من هذه المكالمات تقديم خدمات حماية للأطفال من خطر مباشر. وتشمل القضايا اللي تم الإبلاغ عنها العنف الجسدي والنفسي، وعمل الأطفال، وزواج الأطفال، وختان الإناث، والتنمر الإلكتروني.

الإحصائيات والأرقام دي بتكشف عن حجم المأساة والمصيبة، وتستدعي تعزيز جمع البيانات وتحليلها وإتاحتها بشكل رسمي، بهدف توجيه السياسات والبرامج الوقائية بشكل أكثر فاعلية.

خاتمة

سيناريو الانتهاكات الجنسية للي بيتعرض له الأطفال في المدارس، مستمر في ظل غياب الجدية في التعامل مع القضايا من النوع ده، لكنه واقع حتى لو بيشوفه البعض “دراما”.

العدالة مش بس حكم قضائي، هي رؤية شاملة تضمن إن لكل طفل الحق في الحماية والرعاية عشان يعيش في بيئة آمنة. عشان كده اللي محتاجينه دلوقتي هو تغيير حقيقي في الإجراءات القانونية والأنظمة التعليمية، وكمان رفع الوعي المجتمعي بإن السكوت عن الجرائم دي مش بس تقاعس، ده شراكة في الجريمة نفسها. كلنا مسؤولين/ات أننا نكون في صف العدالة، ونشتغل على آليات المحاسبة ودعم الضحايا والناجين/ات حتى لو المجتمع في الحالة دي بينظُر لهم على إنهم أطفال بكرة هينسوا، عشان ميفضلش الأطفال دول مجرد أرقام في سجل العنف والأذى اللي كل يوم بيزيد.

كتابة مشتركة: ملك الصفتي وآلاء إمام.

المصادر

[1] قناة الحدث، موقع يوتيوب، محامي الطفل المجني عليه في واقعة الاعتداء الجنسي بمصر: https://tinyurl.com/2ekz56w7

[2] مداخلة أم الطفل في برنامج يحدث في مصر، قناة أم بي سي مصر، يوتيوب: https://tinyurl.com/2hu77u75

[3] مداخلة محامي الطفل على قناة الشمس، يوتيوب: https://tinyurl.com/yyrxtaaz

[4] منشور الصفحة الرسمية لوزارة التربية والتعليم بخصوص لجنة إقالة مديرة مدرسة الكرمة: https://tinyurl.com/42t3rthb

[5] منشور الصفحة الرسمية لوزارة التربية والتعليم بخصوص الإجراءات القانونية مع الممثل القانوني والجهة المالكة للمدرسة: https://tinyurl.com/4w38p3u5

[6] موقع بي بي سي عربي نيوز، 1 مايو 2025: https://www.bbc.com/arabic/articles/c705lqkx82jo  

[7] موقع اليوم السابع، ” سبب حكم المؤبد على المتهم بالتعدي على الطفل “:  https://tinyurl.com/mr7hskkj    

[8] قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937، الكتاب الثالث، الجنايات والجنح التي تحصل لآحاد الناس، الباب الرابع: هتك العرض وإفساد الأخلاق، المادة 267، والمادة 268، والمادة 269- موقع منشورات رقمية: https://manshurat.org/node/14677

[9] موقع المصري اليوم، ” بعد حكم المؤبد بقضية الطفل.. «قانونية» تجيب: لماذا الحكم من أول جلسة وهل يُخفف في الاستئناف؟”، 30 أبريل 2025: https://www.almasryalyoum.com/news/details/3438980

[10] تحرش، وتستر، وتجاهل للعدالة.. حماية للمجرمين مش للأطفال، برأمان: https://tinyurl.com/434eskvp

[11] بيان الصفحة الرسمية للنيابة الإدارية على فيس بوك: https://tinyurl.com/y8dwm244

[12] الخبر على موقع الدستور: https://www.dostor.org/4924083

[13] بيان النيابة على صفحتها الرسمية على موقع فيس بوك: https://tinyurl.com/5388cj78

[14] بيان النيابة الإدارية بخصوص واقعة تحرش كبير معلمي الرياضيات جنسيًا بالطلاب:  https://tinyurl.com/mw6c5b9p

[15] لقاء والد التلميذة مع موقع صدى البلد: https://www.youtube.com/watch?v=p1XS5xeXjtA

[16] أكثر من 370 مليون فتاة وامرأة في العالم تعرّضن للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أثناء طفولتهن — اليونيسف : https://tinyurl.com/2k4pc66y

[17] تقرير اليونيسيف، حماية الأطفال، العنف الجنسي: https://data.unicef.org/topic/child-protection/violence/sexual-violence/

[18] تقرير اليونيسيف، حماية الأطفال، العنف الجنسي: https://tinyurl.com/2w9ph57e

[19] اليونيسف – تقرير عن العنف ضد الأطفال في مصر: https://www.unicef.org/mena/press-releases/violence-against-children-in-egypt

[20] تقرير المجلس القومي للأمومة والطفولة ، 2024،الهيئة المصرية العامة للاستعلامات، دراسات حقوق الإنسان، https://hrightsstudies.sis.gov.eg/en/press/local/childhood-and-motherhood-child-helpline-received-94-000-calls-within-3-months