الطفولة المفقودة: كيف تُزجّ أيادي الصغار في دوامة العمل؟

الطفولة-المفقودة

كتابة: مريم الشبيني

أنا بكره الياسمين

هذا ما ورد على لسان طفلة تعمل في جمع محصول الياسمين في مصر. وعلى الرغم من أن هذا المحصول يُجمع لصالح شركات عطور عالمية، إلا أن الطفلة وأقرانها يُجبرون على العمل بعد منتصف الليل وحتى الصباح الباكر مقابل دولار واحد فقط في اليوم. تعكس هذه المعاناة واقع حياة 138 مليون طفل عامل حول العالم، يعملون في ظروف قاسية داخل بيئات غير آمنة كالمناجم والمصانع والمزارع، ويضطرون لساعات عمل طويلة دون مقابل عادل[1].

الجميع متهم

لا تقتصر مسؤولية استغلال الأطفال على المصانع والورش المحلية، بل تمتد لتشمل العديد من الشركات العالمية التي تعتمد على عمالة الأطفال لتحقيق أعلى معدلات الربح، نظرًا لأن أطفال الأسر الفقيرة يقبلون بأجور أقل من البالغين.

فعلى سبيل المثال، تستغل كل من “نيسبريسو” و”ستاربكس” أطفال غواتيمالا لجمع حبوب القهوة، كما اتُّهِمت شركات مثل “آبل”، و”مايكروسوفت”، و”تيسلا” بالاعتماد على عمال قُصّر لاستخراج الكوبالت من مناجم جمهورية الكونغو الديمقراطية.[2]

هذه الشركات التي تحقق أرباحًا بمليارات الدولارات، لا توفر لهؤلاء الأطفال أجورًا عادلة أو بيئات عمل تحقق أدنى معايير السلامة، بل تزجّ بهم في المناجم والمزارع والمصانع لتحقيق أرباحها، على حساب حياتهم وصحتهم؛ هم وملايين الأطفال مثلهم حول العالم.

فرض القوانين وحده لا يكفي

قد يظن البعض أن الحل يكمن في فرض عقوبات صارمة على الشركات الكبرى، تلزمها بعدم عرض منتجات صُنعت بأيدي أطفال، أو سنّ قوانين وطنية تحظر عمالة الأطفال. لكن هذه الحلول قد تُفضي إلى نتائج عكسية إن لم تُرافقها إصلاحات اقتصادية وتعليمية.

ففي عام 1992، عرضت شبكة NBC ضمن إحدى حلقات برنامج “Dateline” صورًا لطفل في بنغلاديش يعمل في خياطة ملابس تُشحن إلى متاجر “وول مارت”. أثارت الصور غضب المشاهدين الأميركيين، وتقدّم السيناتور توم هاركين بمذكرة لمنع المنتجات المصنوعة بأيدي أطفال من دخول السوق الأميركية.

ورغم حسن النية، أدى ذلك إلى طرد نحو 50,000 طفل من مصانع الملابس في بنغلاديش، دون توفير بدائل، فلجأ العديد منهم إلى الدعارة أو التشرد[3].

هذا المثال يُظهر أن القوانين وحدها لا تكفي، بل يجب أن يرافقها رفع مستوى معيشة الأسر الفقيرة، وتوفير تعليم جيد ومجاني، وتنظيم حملات توعية مجتمعية بأضرار عمالة الأطفال.

عمالة محفوفة بالمخاطر

هؤلاء الأطفال لا يُعانون من الفقر والحرمان من التعليم فحسب، بل يتعرضون يوميًا لأخطار جسيمة بسبب العمل في بيئات غير آمنة دون أي وسائل حماية.

فبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حوالي 70% من الأطفال العاملين في مصر يعملون في بيئات عمل خطرة.

ويزداد الوضع سوءًا في مناطق النزاعات، حيث يُجبر الأطفال على حمل السلاح بسبب الفقر، وبعضهم لا يتجاوز الثامنة من عمره، وفقًا لتقارير “اليونيسف”.[4]

الاستثمار في الطفولة.. استثمار في المستقبل

حل مشكلة عمالة الأطفال لن ينعكس إيجابًا على حياة الأطفال وأسرهم فحسب، بل سيجعل المجتمعات أكثر أمنًا واستقرارًا.

فبتحقيق العدالة، ومكافحة الفقر، ورفع مستوى التعليم، تقل نسب الجريمة، ويكبر الأطفال ليصبحوا موظفين أكثر كفاءة وإنتاجية، مما يعود بالنفع على بلدانهم في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.


مصادر:

فيديو: عمالة الأطفال وراء أفضل العطور مبيعا في العالم | تحقيقات بي بي سي آي – BBC News عربي،2024

[1]https://youtu.be/bmhqczZgHxA?si=IoTcPginVNR6xMao

داوارد، ج. (1 مارس 2020). أطفال لا تزيد أعمارهم عن ثمانية سنوات يقطفون حبوب القهوة في مزارع تُزوّد ستاربكس. The Guardian.

[2]https://www.theguardian.com/business/2020/mar/01/children-work-for-pittance-to-pick-coffee-beans-used-by-starbucks-and-nespresso

كيلبرغر، ك. (29 يوليو 2019). لماذا لا يمكننا حظر عمل الأطفال؟ الحلول المتسرعة لن تنجح. مشورة فوربس غير الربحية، مجلة Forbes

[3]https://www.forbes.com/councils/forbesnonprofitcouncil/2019/07/29/why-cant-we-ban-child-labor-knee-jerk-solutions-wont-work/

الجزيرة الوثائقية. (12 يونيو 2020). أسوأ أشكال عمالة الأطفال عبر التاريخ (فيديو). يوتيوب.

[4]https://youtu.be/ObZ-KPDg2Qg?si=kpKvPW7cqr5v0IKj